Home

الانقلابات العسكرية غير مُستَبعَدَة في تركيا

10-07-2019

بقلم هدى عيد

نجح رجب طيّب إردوغان الرئيس الحالي لتركيا والذي وصل إلى السلطة في العام 2002 في بلوغ نموٍ اقتصادي وتحسين المستوى المعيشي، فتمتع الأتراك ببنى تحتية وخدمات أفضل وارتفع الدخل الفردي بشكل تدريجي، ما ساهم في فوزه في الانتخابات المتتالية ليصبح أحد القادة الأتراك الأكثر شهرة ونفوذاً في العصر الحديث.

ولكن في المقابل، تراجعت الديمقراطية بسبب قمع الخصوم واعتقال المعارضين وترهيب وسائل الإعلام وسجن العلماء والصحافيين وأفراد الجيش. وبدلاً من إطلاق مزيد من الحريات بات الاستبداد مسيطرا والقبض على السلطة بيد من حديد يذكر باستعادة وهج السلاطين العثمانيين الغابر.

والنتيجة: أزمة اقتصادية تعانيها تركيا اليوم بخسارة عملتها نحو 40% من قيمتها وتخريب العلاقات حتى مع الحلفاء التقليديين من اوروبيين وأميركيين، علماً أنّ البلاد كانت قد نحت منهجاً علمانياً منذ تأسيسها وكانت حليفاً داعماً للغرب متعاطفاً مع قضاياه لردحٍ ليس بيسير.

فهل يعني هذا النمط التنازلي نهاية لحكم إردوغان؟ كما كان الانهيار الاقتصادي في العام 2002 السبب الذي أتى به إلى السلطة؟ وما هو مصير الديمقراطية بعلمانيتها وحريتها هناك، وسط علاقات مأزومة في الداخل كما مع الخارج إلى حدٍ كبير؟

الخبير في الشأن التركي الدكتور محمد نور الدين اعتبر أنّ تركيا عانت دائماً من أزمة هوية، فأتاتورك انتقل بها من ضفة إلى أخرى بشكل سريع وكامل، وأحلّ العلمنة بتطرف محل الثقافة الإسلامية التقليدية التي كانت سائدة في العهد العثماني. في المقابل مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة لم يحاول إردوغان إصلاح شوائب العلمنة وتعزيز الديموقراطية، كما كان وعد سابقاً بحل مشكلة العلويين والأكراد مثلاً، وانتقل إلى الضفة المقابلة مع مشروع بشقين: القومي التركي والإسلامي أو المذهبي السني، لينتقل و بشكل معاكس من العلمنة إلى الإسلامية العثمانية وسط تخبط داخلي، إنعكس تقلبات على صعيد السياسة الخارجية.

نور الدين كشف أنّ نحو 60% من المجتمع التركي متدين ومحافظ، منها 40% تشكل النواة والكتلة الصلبة لحزب العدالة والتنمية التي يمكنه من خلالها فرض الثقافة الإسلامية في مقابل وجود كتلة علمانية توازيها من حيث الحجم أظهرتها الانتخابات الرئاسية والبلدية. من هنا  لايمكن لأيّ طرف فرض نهج معيّن أو ثقافة معينة بالتخلّي عن تجربة تركيا العلمانية أو تجاوز إسلاميتها المحافظة. فالتزاوج بين الديمقراطية والعلمانية والإسلام فشل حتى الآن في أن يكون مشروعاً حقيقياً. ما يطرح بقوة الحاجة إلى عقد اجتماعي جديد والجلوس إلى طاولة الحوار بحسب نور الدين.

  إردوغان دبّر المؤامرات ضدّ الجيش لعلمه أنّه لن يتمكن من تغيير النظام السياسي والاجتماعي إن لم يكسر ويتخلّص من حارس العلمانية، فجوّف المؤسسة العسكرية من الداخل بعدما لاحق أفرادها وطرد وسّرح الآلاف وكسر ركائز وأذرع الولايات المتحدة داخلها فطُوّبت له. ولكن هذا لايعني أنّ احتمالات الانقلاب مجدداً غير موجودة بحسب رؤساء أركان أتراك سابقين، خصوصاً أنّ واشنطن تتمتع بنفوذ قوي داخلها، على اعتبار أنّ الجيش التركي عريق ولا يمكن الحسم بتوقيت تجديد عاداته التقليدية بالانقلابات.

إنّ حزب الشعب الجمهوري المعارض، الذي فاز مرشحه في انتخابات بلدية اسطنبول، قام بتجديد نفسه، مبدياً انفتاحاً على التيارات الإسلامية، وهو ما انعكس في خطاب أكرم إمام أوغلو. وما ساهم أيضاً في هذا الفوز إتحاد المعارضة مع الحزب الكردي و الحركة القومية. كل ذلك يعتبر مؤشراً مهماً لما ستكون عليه نتائج الانتخابات المقبلة رئاسية كانت أم برلمانية، في حين سيكون أكرم إمام أوغلو مرشحاً جدياً وقوياً ومنافساً حقيقياً لإردوغان إذا استمر الوضع على ما هو عليه اليوم.

أما على مستوى السياسة الخارجية فهناك تبادل مصالح بين تركيا وروسيا ولايمكن ان تتخلى أنقرة عن موسكو. ولكنها في المقابل تشكل جزءا من المنظومة الاقتصادية والسياسية الغربية، على الرغم من الخلافات الموجودة، من أجل مصلحة الجانبين.


Current track
Title
Artist

سمعنا صوتك مع طوني نصار: من الاثنين الى الجمعة الثامنة والربع صباحاتابعوا