أنا الألفُ والياءُ …
06-12-2019
بقلم روكز مزرعاني
طلبَ بعضُ الشُبّانِ والشّاباتِ في لبنان الى يسوع، أنْ يَقُصَّ عليهم قِصَّةَ الخَلْق ومَثَلَ الرّاعي الصّالح… فاستجابَ يسوعُ لرَغْبَتِهِمْ وقال:
“منذُ الأَزَلْ حينَ بَزَغَ الكَوْنُ على شكلِ انفجارٍ هائلٍ يُطلِقُ عليه العلماءُ كلمة Big Bang، كنتُ حاضرًا في صميمِهِ وأنا الذي أشعلتُه بإرادتي…
ولعلَّكم تتساءلونَ ما هو سببُ الوجودِ والخَلْقِ ذاتِه…
والإجابَةُ على هذا السّؤال هو أنَّ الغِبطَةَ الفائقةَ التي كنتُ أختَبِرُها في حُضنِ الآب، لم أتمكَّن مِنْ أن أحتفِظَ بها لذاتي، فقرَّرتُ أنْ أُشارِك فيها مخلوقاتٍ تستطيعُ أن تعيشَ قَدْرَ طاقتِها ما كنتُ أعيشُهُ أنا منذُ الأزل…
فأوجدتُ رَبَواتٍ ورَبَواتٍ وزواحِفَ وفقاريّاتٍ وثدييّاتٍ…
ثمَّ خَلَقْتُ الإنسان الذي يَحوي في ذاتِه تلكَ الحقيقةَ الفريدةَ المختلفَةَ تمامًا عن كُلِّ ما سبقَها ألا وهيَ الرّوح…
عندما أقَمتُ العوالِمَ، انْصَهَرْتُ في صَميمها وانْدَمَجتُ في أعماقِها وأَصبحتُ مركزَها في سبيلِ تنشيطِها وإحيائها…
تواريتُ داخلَ الانفجارِ الأوّلي، كما تواريتُ وسْطَ حركَةِ المجرّاتِ وفي نَواةِ الذَرَّة وفي كُلِّ كائنٍ يحيا وينمو ويتنفَّس، وفي كُلِّ إنسانٍ يُفكِّرُ ويَعمَلُ ويُحِبُّ…
هكذا أقودُ كُلَّ شيءٍ مُختبئًا فيهِ، حتّى يشعُرُ المخلوقُ بالبَهْجَةِ والكرامَةِ في بُنيانِ ذاتِهِ بذاتِهِ…
لقد أردتُ أنْ أَمكُثَ مُختفيًا عن العيون، حتّى يخوضَ كلُّ إنسانٍ بنفسِه معرَكَةَ حياتِه، فيخترِعَ ويبتَكِرَ ويَعمَلَ…
أمّا أنا فأمكُثُ في صميمِ ذاتِهِ لأُرشِدُهُ من الدّاخِلِ وكأنَّني غائبٌ تمامًا عن حياتِهِ…
حينَ أسَّستُ سرَّ الإفخارستيا جاعلاً نفسي خُبزًا وخَمرًا، أردتُ بذلِكَ أن أصِلَ الى عُمقِ كلِّ إنسانٍ لأغوصَ فيهِ…
وحينَ قَبِلْتُ أنْ أُساقَ أمامَ المحاكِمِ والمجالِسِ، ثُمَّ أُجلَد وأُهان وأُصلَب، أردتُ أنْ أبْرِزَ ماهيَّةَ مملَكتي ونوعيَّةَ عَظَمَتي: مَملَكَتي ليسَت مِن هذا العالم…
وإنْ كنتُ أقود العالَمَ، فإنّما أقودُهُ بروحي، وإنْ كنتُ أَملِكُ على الإنسان، فإنَّما أَملِكُ عليهِ بوَحيي وإلهامي، مُحترِمًا تمامًا إرادتَهُ وحُرِّيَتَهُ من دونِ أيّ مُحاولَةٍ للضّغطِ عليهِ…
وإنْ كنتُ أُمثِّلُ رأسَ الخليقَةِ فلأنَّني قلبُها… وإنْ كنتُ أُمثِّلُ قائدَ البشريَّةِ فلأَنّني روحُها… وإنْ كنتُ أُمثِّلُ غاية التّاريخِ فلأَنّني صَميمُهُ…
العرشُ الوحيدُ الذي أتوقُ إليهِ إنّما هوَ قلبُ الإنسان، حينما يُقرِّرُ بملءِ إرادتِهِ أن يستضيفَني ويقبلَني: ها أنا واقفٌ على البابِ وأقرَعُ، إنْ سَمِعَ أحدٌ صوتي وفَتَحَ البابَ، أدخُلُ إليهِ وأتعشّى وأنا معَهُ وهوَ معي…” (رؤيا 3،20).