الكنيسة وأزمة وجود لبنان
10-07-2020
بقلم هدى عيد
أسباب كثيرة دفعت وتدفع اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً إلى الهجرة منها السياسي والأمني في ظلّ غياب الحريات وسيادة القانون، ومنها الاقتصادي المعيشي مع انتشار الفساد واللاإصلاح وانعدام الثقة بالسلطة الحاكمة. وتتخوّف مرجعيات مسيحية من “هجرة أكبر ربما تصل إلى ستين في المئة في الأوساط الشبابية المسيحية”.
لقد شهد لبنان خصوصاً في الفترة الحالية انخفاضاً كبيراً في عدد المسيحيين الذين كانوا يشكلّون 58.7% في العام 1932 من اللبنانيين لتصل هذه النسبة اليوم إلى 30.6 % بحسب دراسة أجرتها المؤسسة الدولية للمعلومات للأبحاث والإحصاءات.
ولطالما لعبت المؤسسات الكنسية على مرّ التاريخ دوراً محورياً من أجل تدارك الأسوأ عبر مبادراتٍ هادفة من أجل إغاثة المجتمعات المحلية ووقف النزيف أو الحدّ منه. فالدير شكلّ حتى الأمس القريب المدرسة والمستشفى ومكان العمل ومحور الحياة حيث يجول “ريس الدير” مستطلعاً الأحوال ومستعلماً عن الحاجات. إنّ الدور المركزي هذا على مدى قرون، لم يقتصرعلى الأحوال المعيشية وإنما تعداه إلى الفنون واللغة والحياة بأبعادها كافة حيث جابت إرسالياتها المناطق لنشر الخدمات الاجتماعية والطبية والتعليمية التي ساهمت في النقلة النوعية للبنان ما أعطاه هوية وميزة ثقافية وصورة حضارية في الشرق كما في الغرب.
الكنيسة التي عززت الوجود ودعمت الصمود عبر التاريخ، مدعوة اليوم إلى تحمّل مسؤولياتها وسط الانهيار الكبير كي تساهم في تثبيت المسيحي بأرضه أولاً وفي عودة لبنان إلى درب العصرنة والحداثة التي فقد بوصلتها مع أصحاب المشاريع المشبوهة، الذين يحاولون تدمير ما تراكم عبر السنين من جهد طبع لبنان الحالي من حريات وديموقراطية وقضاء نزيه واقتصاد حر وقطاع مصرفي، كي لا يُدفع المسيحي قبل غيره إلى هجرة وطنٍ لم يعد يشبهه.
لذلك إنّ المطلوب اليوم خطة استراتيجية على المدى الطويل يتمّ العمل بموجبها لمواجهة التحديات والمشكلات الطارئة والمرتقبة من جانب الكنيسة في ظلّ غياب الدولة بمؤسساتها. فماذا تنفع الصروح إذا خسرنا الإنسان فيها. إنّ قادة الكنيسة مدعوون إلى عدم التخلّي عن لعب دور “إم الصبي” كي لاننعى وطناً تجاوز عمره الستة آلاف سنة ووجوداً منذ أن وطأت أقدام السيد المسيح هذه الأرض المقدسة.