المقاومة المسيحية والحفاظ على الوجود والكيان
06-09-2020
بقلم هدى عيد
انطلقت شرارة المقاومة المسيحية كتعبير وجودي منذ نشوء الكيان اللبناني مع البطريرك مار يوحنا مارون واستمرّت مع البطاركة الذين استشهد معظمهم دفاعاً عن شعبهم وحضارتهم وإيمانهم ولبنانهم . هذه الشعلة التي أوقدتها الكنيسة المارونية آلت في بعض مراحلها إلى قادة علمانيين خرجوا من صفوف العامة، حملوا راية الدفاع عن الوجود. ولطالما حرّكتهم مسألة التشبث بحريتهم التي تعتبر قضية حياة أوموت ولا مساومة عليها فهي من المسلمات.
هذه الحالة المسيحية المقاوِمة كانت تبرز “كل ما دق الخطر عالبواب” فتنبري في وجه الاحتلالات ومشاريع الهيمنة والتبعية والضم كما يحصل اليوم. هي حالة ظهرت في محطات عدة من تاريخ لبنان من دون أيّ إطار تنظيمي معيّن في أحيان كثيرة، وإنما كانوا كلما استشعروا بالخطر حملوا البندقية في يد وغصن الزيتون في أخرى وهو ما حدث في الحقبة العثمانية، حتى تأسيس لبنان الكبير مرورا بثلاثينيات القرن الماضي مع توقيع المعاهدة اللبنانية- الفرنسية وصولاً إلى ثورة ال 1958 وحرب ال 1975، حيث تولّت المقاومة المسيحية الدفاع عن الشرعية ومؤسساتها بصدور عارية في ظلّ غياب التجهيز والتسليح.
إنّه الرابط الفكري والعقائدي والإيماني، وهو النفس المقاوم الذي طبع المسيحيين وميّزهم عبر التاريخ. فهم من عاش هاجس الصمود والبقاء أمام الحملات الكبيرة التي كانت تواجههم فدفعوا الثمن الغالي كي يحافظوا على الوجود والكيان ليبقى الوطن لكل أبنائه، وطن التعايش المحب والمنفتح على الجميع، وطن السلام والحوار والحياد والاستقرار والازدهار.
لقد حملت المقاومة المسيحية مشعل التغيير للوصول إلى الحرية والعدالة والتطور رافعة الصليب علامة إيمان فقادت هذه المسيرة التي عمّدتها بالشهادة حفاظاً على فرادة وميزة وخصوصية لبنان عبر التاريخ.
وكما حرس شهداؤنا الأرز سنحرسه دوماً، فنحن نسّاكه والساهرون أبداً عليه والحراس الذين لاينامون ولاينعسون إلى أن يأتي الله من لبنان وجباله وأوديته الوارفة الظلال وثلجه النقي وأرزه الخالد التيّاه العابق وبخوره وعطور وروده وأحراجه.
إننا مقاومون بالفطرة، وبالإيمان بالله ولبنان وسنبقى طائر الفينيق الذي ينبعث من رماده كل مرة ليعيد الحياة الى الوطن الجريح.
إنها حياتنا وعاداتنا وتقاليدنا وتاريخنا حماية لبنان والزود عنه، كي تبقى الأرزة صامدة ودائمة الاخضرار إلى أبد الآبدين ودهر الداهرين .
آمين.